يقول الحكيم
كونفوشيوس:
"إذا أردت أن
تتعرف في بلد ما على إرادة شعبه، ومبلغ حظه من الحضارة والمدنية، فاستمع
إلى موسيقاه".
ربما يكون
أقدم أثر يدل على وجود الموسيقى لدى العرب هو أحد النقوش في بانيبال،
يرجع تاريخ هذا النقش إلى القرن السابع قبل الميلاد، إذ يذكر أن
المستخدمين العرب الذين كانوا يعملون عند الآشوريين، كانوا يقضون أوقاتهم
في الغناء والموسيقى.
كما يرجع
بعض المؤرخين أسماء بعض الآلات الموسيقية إلى العربية، فيقول في ذلك بيتر
كروسلي هولاند، أن أقرب مثال على ذلك هو كلمة "طبلة"، ويضيف أن هذه الآلة
قديمة جداً ويثبت ذلك اسمها في اللغة العبرية أيضاً، وهو تيبيلا، كما هي
في لغة أهل بابل وأشور تابولا، ويمضي مسترسلاً حيث يقول أن كلمة دف
العربية هي بالآرامية العبرية تف.
كما تدل
أكثر الآثار على أن الموسيقى استخدمت في معظم الأحيان لمصاحبة الطقوس
الدينية عند العرب، ويعتبرها أفلاطون أهم الفنون وأرقاها، لأن الإيقاع
والتناغم في نظر هذا الفيلسوف يؤثر في نفس الإنسان، مما يمنحه طاقة
لأفعاله، وينعكس كل ذلك على أعضاء جسمه وأجهزته.
ولعل مثال
الحكيم المصري القديم "أمحتب" والذي قام بمعالجة مرضاه بالموسيقى أكثر
وضوحا، وعلى ذلك أسس أول معهد طبي في التاريخ لعلاج المرضى بصوت وذبذبات
الموسيقى، فقد أثبت العلم الحديث أيضاً أن ذبذبات الموسيقى لها تأثير
مباشر على الجهاز العصبي، فيمكن لذبذبة ما أن تأثر على جزء ما بالمخ،
فيمنحه بذلك الاسترخاء أو استجماع إرادته لعدم الشعور بالألم، فيبدأ
الجسم بتنشيط مضاداته الطبيعية، والتي تساعد أجهزته في التغلب على مصادر
الألم.
وهذا ما
يقوله إخوان الصفا أيضا، من أن: "أمزجة الأبدان كثيرة الفنون، وطباع
الحيوانات كثيرة الأنواع، ولكل مزاج، ولكل طبيعة نغمة تشاكلها، ولحن
يلائمها، كل ذلك بحسب تغييرات أمزجة الأخلاق واختلاف طباع وتركيب الأبدان
في الأماكن والأزمان … ولذلك فإنهم استخرجوا لحناً يستعملونه في
المارستانات وقت الأسحار يخفف من ألم الأسقام عن الأمراض، ويكسر سورتها،
ويشفي كثيراً من الأمراض والأعلال".
وفي مشوار
العلم الحديث طالعتنا قبل فترة دراسة حول الموسيقى، نصح فيها الكاتب
الأمهات أن يقمن بوضع موسيقى من سفونيات موزات للأطفال، من فترة الحمل
حتى والولادة والكبر، فذلك ينمي الذكاء لديهم، كما يقوم بتطوير ذائقتهم
وموسيقاهم الداخلية.
كنت حين
أسمع الحادثة التي يرويها ابن خلكان في كتابه الشهير وفيات الأعيان،
تأخذني الدهشة، ولكن بعد فترة أدركت كم هذه الرواية لها مداليلها
العميقة، وتعطي فكرة مسبقة عن وعي الفارابي لمسألة تأثير الموسيقى، فيقول
في كتابه أن أبو نصر الفارابي دخل على سيف الدول فقال له: "هل لك في أن
تأكل؟ فقال: لا، فقال له: فهل تشرب؟ فقال: لا، فقال له: فهل تسمع؟ فقال:
نعم، فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل ماهر في هذه الصناعة بأنواع
الملاهي، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وعابه أبو نصر الفارابي وقال له:
أخطأت، فقال له سيف الدولة: وهل تحسن في هذه الصناعة شيئاً؟ فقال: نعم،
ثم أخرج من وسطه خريطة ففتحها وأخرج منها عيداناً وركبها، ثم لعب بها،
فضحك منها كل من كان في المجلس، ثم فكها وركبها تركيباً آخر وضرب بها
فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وغير تركيبها وحركها فنام كل من في المجلس
حتى البواب، فتركهم نياماً وخرج".
وفي دراسة
حديثة، قام الباحثون بإدخال موسيقى على سبيل التجربة في صنع عند مراحل
الإنتاج، ولكن في فترتين مختلفين، الأولى كانت نهاراً والثانية ليلاً،
فشوهد أن الإنتاج بلغ ذروته عند إدخال الموسيقى بنسبة 12% من وقت العمل
فقط، وذلك في النهار، في حين أن الإنتاج وصل ذروته عندما أدخلت الموسيقى
ليلاً، بنسبة 50% من وقت العمل فقط.
كما نقلت
صحيفة البيان الإماراتية بتاريخ (20-7-2004) خبر مفاده: "وجد أخصائيو
العلوم النفسية في جامعة ولاية أوهايو الأمريكية أن مرضى إعادة التأهيل
القلبي سجلوا درجات أعلى في اختبارات الطلاقة اللفظية عند استماعهم
للموسيقى أثناء التمرين، موضحين أن مرض الشريان التاجي قد يضعف القدرات
الإدراكية للمصابين.
وتفيد
الأبحاث العلمية أن الرياضة تحسن الأداء الإدراكي للأشخاص المصابين بمرض
الشريان التاجي كما أن الاستماع للموسيقى ينشط الطاقة الدماغية وبالتالي
فإن دمج الرياضة والموسيقى معا يفتح الذهن ويزيد التركيز ويسرع معالجة
المعلومات في المخ.
واعتمد
الباحثون في دراستهم على متابعة 33 رجلا وامرأة مشاركين في برنامج علاجي
لإعادة التأهيل القلبي، خضع معظمهم للجراحة الإكليلية أو التقويم الوعائي
أو القسطرة القلبية ومراقبة أدائهم في اختبارات الطلاقة اللفظية قبل
التمرين على جهاز المشي (تريدميل) وبعده الذي استغرق 30 دقيقة مع
الاستماع للموسيقى الكلاسيكية في إحدى الجلستين حيث يعمل هذا النوع من
الاختبارات على تحدى منطقة الدماغ المسئولة عن التخطيط والتحليل والقدرة
على تنظيم المعالجة اللفظية.
ولاحظ
الباحثون أن أداء الأشخاص كان أفضل من الناحية النفسية والعاطفية
والذهنية بعد الرياضة بصرف النظر عن استماعهم للموسيقى أم لا ولكن
التحسنات في اختبارات الطلاقة اللفظية زادت لأكثر من الضعف بعد الاستماع
للموسيقى مقارنة عما كانت عليه قبل الإنصات للنغمات".
موسيقى "الفيْدا"
تلمس عناصر
الوجود وتُدخل السلام إلى الروح
موسيقى
الفيدا هي محاولة لخلق هدوء وسلام داخلي، وانسجام أو تناغم بين الإنسان
والطبيعة، كما هي محاولة للاتحاد مع الكون عبر الدخول إلى أنساقه
الطبيعية، وتعد موسيقى الفيدا إحدى روائع فكر وروح الغندهارفا فيد
مهاريشي، وهو مؤسس حركة التأمل التجاوزي، وقد طرح مفهومه وفلسفته للحياة
والإتحاد عبر طرحه حالات الوعي السبع سنة 1957م، ويعد بذلك قد أضاف علما
جديدا، أطلق عليه فيما بعد علم الوعي، أو علم الذكاء الخلاق، ترتكز هذه
الموسيقى على فكرة كون عناصر الطبيعة التي لا تعد من حيث تنوعها ليست سوى
تموجات ونغمات مختلفة تنبع من حقل واحد، وذلك ما نطلق عليه أسم قوانين
الطبيعة، والتي يعدها مهاريشي الطاقة الكاملة للقانون الطبيعي.
فيقول
مهاريشي أن غاية الخلق هي طول السعادة التي يعيشها المرء، وعلى ذلك فإن
التناغم مع الطبيعة هو نوع من أنواع السعادة، لذلك فإن موسيقى الفيدا
التي تراقص الطبيعة الدافعة لمجرى التطور، تعطي المستمع استرخاء يدخل في
تناغم مع ما حوله، فيوصله ذلك إلى السلام الداخلي، والذي يصدر عنه
بالضرورة السعادة.
كما يدعي
أصحاب موسيقى الفيدا أنها صادرة عن نبض الوعي مع بداية الوجود، وقد
أدركها حكماء الهند القدماء الذين عاشوا الحضارة الفيدية القديمة، والتي
تعد فترة سبقت نزول الكتاب الهندوسي المقدس "جيتا"، وقد تزامنت هذه
الفترة مع وجود الجنة على الأرض، وهي بذلك معرفة عريقة تم تناقلها عبر
الأجيال، هذه الموسيقى ظلت كامنة في الموسيقى الهندية الكلاسيكية، إلى أن
قام مهاريشي بإحيائها مرة ثانية عبر نظرياته وتأمله.
ولأن لكل
موجود تموج خاص بحسب فلسفة مهاريشي، أو طاقة خاصة لطبيعته، وأنغام مرتبطة
به بحسب تدخل عناصر الطبيعة، سواء الموقع الجغرافي أو الأوقات، فلكل فترة
من اليوم بين الليل والنهار موسيقى خاصة، تزيد من تناغم الروح مع ما
حولها، كما تزيد من الإيجابية والتوازن في الحياة، فيتصور مؤسس هذه
الحركة أن الضغط النفسي سببه مخالفة هذه النفس لقوانين الطبيعة، ودخولها
في تناقض معها، وهي بذلك تنتج الحروب والإرهاب في العالم، وموسيقى الفيدا
تزيل التشنجات والضغوط، سواء على مستوى الوعي الفردي أو حتى على مستوى
الوعي الجماعي، ويعتبر أبناء هذه الحركة أن موسيقى الفيدا تحقق الجنة على
الأرض.
موسيقى
الفيدا عدة أنواع، منها بآلة نفخ كالناي، ومنها ما كان تدرج صوتي يصدر عن
المغني بمرافقة آلة وترية وطلبة، كما يمكن أن تسمع من خلال المزمار
والسيتار وهو آلة مقاربة للقيثارة ولكن تختلف عنها في الشكل، وهي من
الآلة الهندية. |