عندما بلغ باولو كويلو السابعة عشر من عمره أرسله أباه إلى مصح عقلي،
لظنه أنه مصاب بلوثة، هذا المجنون الذي اعتقدوه كذلك، أصبح الآن من أكثر
روائيي العالم بيعاً لكتبه، ولكنه يقول: "أن بعض الناس مازالوا لا
يفهمونه".
باولو كويلو من المؤلفين الذين لا يملكون مشكلة مع القارئ، فهو من أكثر
الروائيين شهرة ونشراً، منذ نشره عمله الأول الحج في سنة 1987م، باع ما
يقارب الخمسة والستين مليون نسخة، مما جعله المؤلف الأكثر رواجاً في
العالم، وقد ترجمت أعماله لأكثر من تسعة وخمسين لغة، مع حصوله على الكثير
من الجوائز العالمية، كما يعد كتابه "الخيميائي" من أكثر كتبه شهرة، وهي
قصة راعي أندلسي يبحث عن كنز فينوي السفر إلى الشرق وذلك في القرون
الوسطى، وقد بيع من هذا الكتاب فقط أكثر من ثلاثين مليون نسخة، وذلك منذ
نشرها في سنة 1988م.
كما تعد روايته الأخيرة "ظاهر" أو الظاهر والتي اعتقد المترجم أنها تعني
أمر آخر من قبيل التفتّح أو فعل "تزهر" لذلك قام بترجمتها إلى "الزّهير"
لأنه لم يدرك أن
"Zahir"
كلمة عربية الأصل، وهذه الرواية من أكثر الروايات العالمية رواجاً أيضاً،
هي قصة رجل يبحث عن زوجته، وأحداث هذه الرواية مأخوذة عن قصة واقعية.
يقول باولو كويلو: "كل يوم أحاول فيه أن أكون متصل بالكون، بطريقة غير
واعية، بالأمس على سبيل المثال، قررت المشي هنا في لندن، فركبت سيارة
أجرة لتأخذني إلى
تقاطع
"بيكدلي"، وبعد ذلك شعرت أني لندن، وأن لندن أنا، ذلك يحدث لي كالسحر،
كنت أعبر الشارع وفي لحظة./ علمت عندها، أن بإمكانك أن تستشعر أو تحس كل
شيء، كان الأمر سحرياً في ذلك الوقت".
ربما هذا ما جعل من باولو كويلو من أكثر المؤلفين بيعاً لكتبه، وأقصد
بذلك أن نصه الروائي يمشي في المنطقة الخطرة بين الواقع والحلم، بين كون
هذه الرواية حياة تمشي على رجلين، وبين كونها بيت لعزلة رأس مليء
بالأفكار، عندما تقرأ باولو كويلو تحس أنك ترى وتحس، وتلمس ما تصل إليه
أصابعه، لا أعرف مدى مصداقية كون العبقرية ضرب من الجنون، لكن لست أصفه
بالعبقرية، فنصه باللغة الأم لا يمتلك كل هذه البراعة التي تلبسها
أعماله، من حلة قشيبة يسدلها المترجم المحب على جسد نصه.
وعندما
سأل "إن
دخل باولو كويلو من مبيعات كتبه أكسبه حياة مرفهة، فهو يصرف نصف سنته في
شقة راقية تطل على شاطئ كباكبانا مع زوجته الرابعة "كرستينا"، والنصف
الآخر من السنة في بيته الريفي في فرنسا، وتعد حياة باولو كويلو الآن
حياة رفاهية من الدرجة الأولى،
فهل ذلك صحيح؟، أجاب: "نعم فالحصول على المال أمر عظيم ليمكنك من خلاله
تحقيق أمور تعتقدها أكثر أهمية، وأعتقدني كنت دائماً غنياً، لأني لا
أعتقد أن المال يصنع الفرح"، علماً بأن باولو كويلو لديه مدرسة مجانية
لتدريس أكثر من 350 طفل برازيلي.
وقال مرة أيضاً: "أنا أكتب من روحي، لهذا السبب فإن النقاد لم يؤذوني،
ولأني أكتب ذاتي أو أكتب "أنا"، ولو كانت أعمالي ليست أنا، أو كنت مدعياً
شخصاً آخراً لا يمثلني، فأعتقد أن ذلك سيخل من توازن عالمي الروائي،
ولكني أعرف جيداً من أنا"، "القارئ الوحيد الذي التقيته والوحيد الذي
عرفته هو أنا، ولحسن الحظ مازلت أجهل نفسي".
لذلك قد يعد الإدراك المتطرفة بالذات قتل لها، وجريمة يعاقب عليها
الإبداع بالمكرور وسبق الإنشاء، لا أعرف إن كان الروائي يخطط ويهندس ويضع
علامات توقف وانعطاف قبل أن يضع النص الروائي على الطاولة أم لا، ولكني
أدرك أن النص الروائي مرشد إبداعي، كما هو المرشد السياحي، هو كفيل
بإيصالك، لكن مع قياس الفارق، فهناك يرشدك ضمن نطاق أماكن معينة، لكن
المرشد الإبداعي إذا صح التمثيل الدبلوماسي له فهو غير محدد بأماكن معينة
وجداول تسليم، وهي ينطلق بربع وعي، والباقي "على الله" أو لنقل على جهاز
اللاوعي الذكي، الذي يخترق الأنساق برشاقة عالية.
|