منذ أن اقترح رولان بارت أنه لا يوجد نص أول، لا يوجد نص جديد، وأنه ليس
هناك أصل أصيل، فما نتوهمه أصل ما هو إلا هجنة من أمشاج نصوص سابقة، وما
يكتبه المبدع اللاحق هو أقرب إلى أن يكون تبييضا لمسودات نصوص سابقة، أو
نصوص لم تنجز بعد، فهل كان يعني ذلك استنفاد النصوص السابقة لجميع
امكانات القول، وهل نفتح تبريرا ذا أفق فضفاض، لمجرد أن المقولة منسوبة
لرولان بارت؟.
فهل يعني ذلك أن ذات المبدع ليست مطلقة الصلة، بل هي منسوبة بصلات لا حد
لها، وعبر هذه الصلات يكون نص المبدع خصبا بحواريته مع نصوص سابقة أو
بختراقه لها؟.
فهل ذلك راجع لكون اللغة غير بريئة، أو غير بكر، فهي تستدعي في كل مضاجعة
دلالاتها الأرشيفية من الذاكرة، أم لأن الكلمات لها لونها وطعمها الخاص
لدى الذاكرة الجمعية، لذلك فهي تكون مَثلا لا مِثلْ، فهل هذا النص هو
لحظة مصالحة بين الحرية والذكرى.
فلماذا إذن أصر السرياليون على تعطيل الحواس، وعلى الرغم من كل الشروحات
التي حاولتْ تفسير هذه الآلية، وتحت أي مبرر يأخذنا هذا المسار إلى رفض
محاورت النصوص لنصوص سابقة، وعلى فرضية النقيض هذه بين رولان
والسرياليين، تتجه مدارس التحليل أيضا لفهم النص من زاوية واحدة، فالسيد
فرويد مثلا يحيلها للجانب النفسي المحض، والسيد كارل ماركس يراها نتاج
صيرورة المجتمع المتأثر أو الواقع تحت سطوة العامل الواحد وهو الاقتصاد،
ما بين أن المدرسة أو ما يتجه إليه أصحاب الإيديولوجيات في فهم نص المبدع
أو التعاطي معه، على كونه آلة لتوصيل فكرتهم ورسالتهم التي يرون أنها
مقدسة.
يقول الفلاسفة أن كل فعل ينتج عن الإنسان هو عن إرادة، فحتى الأفعال التي
نعتقد أنها عفوية واقعة تحت طائلة الإرادة، فهذه الإرادة بالنسبة لهم هي
التي تدفع الإنسان للفعل، ولكل إرادة أيضاً دافع أو مسبب وبعضهم اعتبر
هذا المسبب أو الدافع هو الغاية أو ما يطلقون عليه الغائية من وراء
الفعل.
فما الغائية من الخطاب الإبداعي؟
إن امتداد المشاكل الاجتماعية والوجودية إلى الحقل الإبداعي أنتج شريحة
جديدة من مصوري الواقع أو ناسخيه في الفسحة الصغيرة بين المبدع
والإيديولوجي أو المأخوذ برسالة سامية ما، وربما يكون ذلك ما أنتج لنا
مفهوم غائية نص المبدع النبيلة، وهي القضايا الكبرى أو الصغرى على حد
سواء، وقد تكون هذه القضايا جزء من الدافع للكتابة، ولكن يبق الانفعال
بما يحيط المبدع أو الإحتاك بهذا الخارج عن ذات المبدع هو الفتيل، على أن
تكون ذات المبدع مهيئة أو معرَّضة لنوبة شعورية عالية.
هل كان رولان بارت محق؟، أم هذا شكل من أشكال التناص الذي يحيل بالضرورة
لنفس المقولة التي اقترحها رولان بارت، أم هو سرقة عن سابق معرفة، أو عن
طارئ عفوي، يعفي المبدع من جريرة السرقة مع سبق التكرار والترصد، إذن
فحاكموهم إنهم مسئولون. |