شغلت
الملكية الفكرية في وقت مبكر اهتمام الدول العربية، وبعض هذه الدول كان
لها مساهمات وجهود لإقرار وحماية الملكية الفكرية، فمنذ القرن التاسع عشر
كان للجمهورية التونسية حق الريادة، وبعدها دخلت بعض الدول العربية في
عدد من الاتفاقيات التي تخص الملكية الفكرية.
تشمل
الملكية الفكرية عدد من المواضيع منها: حق المؤلف، حماية المصنفات
الأدبية والفنية، التي يرتبط بها قانون مراقبة المصنفات المرئية
والمسموعة، وحماية برامج الحاسوب وقواعد البيانات، وكذلك الجزء الآخر
والذي أطلق عليه اسم الملكية الفكرية الصناعية، كضمان براءات الاختراع،
وضمان حق العلامات التجارية.
المثير في
المسألة، أن الملكية الفكرية أخذت مساحة كبيرة من جهود ووقت المفاوضات،
مع إصرار المفاوض الأمريكي على التوصل إلى إقرار ما تم إقراره مسبقا،
وذلك من خلال الاتفاقيات مع مملكة البحرين، أو الدول التي سبقتها للدخول
في اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
عند التفكير
في المثالية التي تقترحها اتفاقية الملكية الفكرية، من حماية الفكر وصون
عرض العبقرية الفردية والجماعية، أشعر أن العالم انقسم إلى قسمين، أو هو
يتجه إلى اللغة القديمة من مستعمِر ومستعمَر، وقد نطلق على الفئة الأولى
الدول المصنعة و المنتجة، والتي تمتلك لغة وآلية العلم الحديث، والقسم
الآخر الدول النامية والمستهلكة بكسر "اللآم أو فتحها"، وبما أن العالم
أصبح قرية واحدة، فإن حكومته منذ الآن حكومة واحدة لا شريك لها، أو
رأسمالية بلباس أنيق، تحمل زخرفتها الجميلة أيقونات حماية حقوق الإنسان
والفكر، حكومة تحكم العالم بنظام اقتصادي، أي العنصر الذي اعتقده كارل
ماركس أنه المحرك للنشاط الاجتماعي، وبهذه الاتفاقية يصبح المستخدم للعلم
الحديث دافعا لضريبة حسن نية الارتقاء والتطور، فلا يمكنك الحصول على
الاختراعات الجديدة، أو العلوم التي تخضع "لعلامة تجارية" دون أخذ الأذن
من "الماما أمريكا"، ولا يمكنني أنا بالذات نسخ برامج حاسوبي دون دفع
مبالغ أكثر من قيمة الحاسوب نفسه، هل لذلك أعيد النظر بشأن اتفاقية
التجارة الحرة "بكسر الراء أو فتحها"، هناك أكثر من سؤال واحد، تكاد تكون
الإجابة عليه فضفاضة.
وتدور عجلة
القانون المنزل من السماء، قانون منظمات تجارية عالمية، لتسهيل فرض
سيطرتها على المستهلك الضعيف، الذي يحاول جاهداً بكل قوته النفطية اللحاق
بركب التطور، في حين مازال اليهود يطالبون ألمانيا وشركاتها حق
"الاستعباد" الذي فرضته من قرن على أجدادهم الطيبين، فهل يعني ذلك أن لدى
حكوماتنا حق المطالبة بالحقوق الفكرية؟ لابن سينا والرازي وابن حزم مثلا؟
وأعتقد أنها حقوق متراكمة، بالضرورة يصدر عنها فوائد متراكمة أيضا، وطبعا
ذلك مع عدم ثقافتي "البنكية".
والأكثر
طرافة أن الدول العربية التي حاولت فرض مفهوم "المقاطعة"، أو عملية
مساندة الشعب المسكين في فلسطين، كمبدأ عروبي مقدس! أصبحت لرفع مستوى
الحياة المعيشية، تفتح أحضانها للبضائع الإسرائيلية، وذلك بموجب قانون
الحقوق الفكرية طبعا! إذاً ما أدركه أن الدول التي يطلق عليها "عظمى"
فرضت سيطرتها وسلطتها على الدول المتفق معها، أو المتفق عليها، ومنحت
إسرائيل حق الجيرة أو الانفتاح على الجيران الطيبين أو النفطيين، كما
أسهم ذلك بتوسيع رقعة فرض ضريبتها إلى خارج حدودها الجغرافية.
قال صاحب لي
يوما: "هل تحب أن تكون ظالماً أم مظلوماً"، فقلت له ألا يوجد خيار آخر؟
فضحك مني، ولما سألته عن سبب ضحكه، قال: يبدو أنك لم تدرك اللعبة، نعم
أنا لم أدرك اللعبة بعد، فهل من مدرك للأمر قبل أن يصل الطوفان ويغرق
نوح؟. |